نقد نقاد إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية
نقد نقاد إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية
بقلم: د. طه عبد العليم
بقلم: د. طه عبد العليم
بهتافهم راقي البلاغة: إرفع رأسك فوق.. أنت مصري أعلن المصريون هويتهم منذ ثورة25 يناير, ورفضا للإلتباس بهتافهم الآخر بالغ الرقي: مدنية.. مدنية; ردا علي صيحة دينية.. دينية, التي رددها من لا يعرفون قدر الأمة المصرية.
ولا يعترفون بقيمة الوطنية المصرية, ولا يدركون معني المواطنة المصرية. أقصد دعاة دولة الفقهاء الدينية وخصوم دولة المواطنة الديموقراطية, الذين يتصورون أن إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية والإنتماء والولاء للوطن المصري الكريم يخالف الإيمان بالدين الإسلامي الحنيف, أو ينتقص من إنتساب مصر العربي الأصيل.
وحسم مسألة هوية مصر والمصريين ليس ترفا فكريا; وإنما السبيل القويم لبناء وحدة وطنية تستهدف تحقيق غايات الأمة المصرية, وبناء القدرات التي تجعل مصر وطننا رائدة ومنارة للعرب والمسلمين والإنسانية. والمعركة الفكرية لحسم مسألة الهوية ليس موقفا شوفينيا إنعزاليا, بل ضرورة لتوسيع صفوف تيار وطني رئيسي ينهي تشتت الوعي وفقدان الاتجاه بين: موقف إسلاموي سلفي, يعلي فكرة إحياء الخلافة علي الولاء للوطن المصري أو الانتساب للهوية العربية! وموقف قومي عربي, يغذيه حنين إلي زمن صعود قومي عربي ولي ولو إلي حين يطول أو يقصر! وموقف ليبرالي مستغرب, ينشد الالتحاق بالغرب في سياق العولمة أو المتوسطية أو حتي الشرق أوسطية!
والهوية في سياقنا تتعلق بأمة محددة تعيش في وطن محدد, وهي محددة الولاء والإنتماء لهذا الوطن, من أجل مواصلة العيش المشترك وتعزيز حقوق المواطنة; دون تمييز أو إنتقاص أو إقصاء. وأكرر إنه إذا كانت هناك أمة في العالم محددة الهوية بدون التباس فإنها الأمة المصرية; التي تكونت قبل آلاف السنين ورغم تعدد المعتقدات في مجري صناعتها للحضارة وإكتشافها للضمير, وقبل دخول المسيحية ثم الإسلام. وقد غابت أو غيبت هوية المصريين الوطنية بعد طول إدماج واندماج في امبراطوريات وخلافات العصور الوسطي, حتي عاد الوعي الغائب بالهوية في مجري تحرر وتطور مصر في العصر الحديث. لكن الخلط استمر بين الولاء للمصالح الوطنية وبين الروابط العربية, وتفاقم بخلط أخطر بين الدين والوطن, تغذيه قوي توظف الإسلام في سعيها للسلطة بعد إطلاق سراحها بفضل ثورة25 يناير, ورغم تخلف شيوخها عن مشاركة شبابها خشية إنكسارها; ثم تسارعوا لإختطاف إنتصارها!
وفي نقد نقاد إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية, أسجل أولا, ما كتبه الدكتور سليمان حزين في كتابه الرائد حضارة مصر أرض الكنانة, يقول: إنه لولا أن الإنسان المصري كبح جماح النهر, بل وألجمه كما تلجم الفرس العاتية, لما قامت مصر بصورتها التي مهدت لقيام الحضارة. ومن هنا خالف هيرودوت وقال: إن مصر الحضارة ليست هبة النيل بقدر ما هي هبة الإنسان المصري. ويضيف مفكرنا الوطني أن حضارة مصر الفريدة كانت إنسانية كاملة; مادية وروحية, وأكثر الحضارات استمرارا وبقاء علي الزمن بين أمم العالم القديم, وأقدمها من حيث إقامة الوحدة الإقليمية والكيان السياسي. ثم يقطع بأن المسلمين لا يقلون عن المسيحيين قربا من المصريين القدماء, وأن معظم مسلمي مصر هم معظم مسيحيي مصر الذين أسلموا بالأمس, ومسيحيي اليوم هم مسيحيو الأمس الذين استمروا علي عقيدتهم.
وأسجل ثانيا, من موقع الولاء للأمة المصرية والفخر بجدارة الإنتماء لها, ما كتبه الدكتور حسين مؤنس في كتابه الفريد مصر ورسالتها, يقول: إن مصر عاشت تاريخها كله علي القلائل, الذين فهموها جيدا وأحبوها في عمق,و لو عرف المصري قدر مصر فسوف يهون كل شئ عنده في سبيلها. وقارئ التاريخ البشري ليفتح كتابه فيجد مصر في المطلع! وهذا شئ ليس بالقليل, ولكن الذي يقلل من أهميته أننا لا نقدره حق قدره في بعض الأحيان. ومصر, هذا الوطن العظيم الجميل الذي نتشرف بالانتساب إليه, مكانها الطبيعي أن تكون في الصف الأول; ففي البدء كانت مصر, قبل الزمان ولدت, وقبل التاريخ! وفي مصر بدأ كل شئ: الزراعة, والعمارة, والكتابة, والورق, والهندسة, والقانون والنظام, والحكومة, وقبل كل شئ ولد الضمير. والذين أتوا من الخارج لم يصنعوا تاريخ مصر, بل مصر هي التي صنعت تاريخها, وصنعتهم هم أيضا! ويذكرنا بقول عمرو بن العاص عندما وصل الدلتا: هذه شجرة خضراء! وإعلانه إن ولاية مصر جامعة, تعدل الخلافة! وقول صلاح الدين: هذا بلد لا يخرج منه إلا مجنون! وقول ابن خلدون عن القاهرة: رأيت مجمع الدنيا ومحشر الأمم! ويخلص مؤنسنا: نحن المصريين أمة صنعت التاريخ, وعاشت فيه عمرها كله, وكانت أما صانعة الحضارة البشرية أو حفيظة عليها, وكانت بين أمم قليلة قادت وعلمت ووجهت. فلا عجب أن الله سبحانه لم يذكر في القرآن الكريم بلدا بإسمه غير مصر.
وأسجل ثالثا, أنه لا ينكر مرجعية قيم ومباديء ومقاصد الإسلام للمصريين إلا جاهل. ولكن لمن يتوهم أن مصر مدينة للحضارة العربية الاسلامية بأكثر مما هي دائنة, أقول: إنها كانت ثمرة حضارات مصر وغيرها من بلدان الدولة الاسلامية الكبري, وقد زادت قوة بالتعريب والتقارب والتفاعل والإتحاد. ولنتذكر أن القبائل البدوية في شبه جزيرة العرب, وإن كانت علي درجة نادرة من الفتوة والذكاء, فإنها بغير الحد الأدني من الحضارة وليدة الزراعة, وبمواردها الشحيحة من الصيد والتجارة, لم يبق شئ تقدمه لوشي الحضارة! كما سجل ويل ديورانت في موسوعته قصة الحضارة. وإذا كانت مصر قد حققت بعض التقدم في عصرها الإسلامي, فإن الفضل فيه يرجع إلي شعب مصر. ويسجل مؤنس أنه بعد منتصف القرن الهجري الثاني, عندما تفككت وحدة الدولة الإسلامية, غدت مصر قلب العالم العربي ومركز الإسلام, وقاهرة الصليبيين والتتار. وقد ركدت العقول في عالم الإسلام في أواخر العصور الوسطي إلا في مصر; التي صارت مجمع المعارف; فوجدنا بها أكثر من ثلث المخطوطات العربية!
وأسجل رابعا, من موقع اليقين بالمصالح المشتركة والروابط العميقة بين الشعوب العربية, ما كتبته بمقالي التاريخ الحقيقي للعرب بالأهرام في24 فبراير2008, وأقول: إن قصور معرفة التاريخ الحقيقي للعرب والتباس مفهوم العروبة وتعريف العرب هو ما يفسر الترويج لعوامل فرقة العرب, بدلا من التنوير الواجب بواقع الوحدة رغم التنوع بين الشعوب العربية! ولست قوميا عربيا! بل أقول هذا من موقع الوطنية المصرية, ومدركا أن عهد مصر بالتعريب يقل عن ربع تاريخها المكتوب!. ولكن لنتذكر ما خلص جمال حمدان, المنظر المصري للدعوة القومية العربية, وأوردته بمقالي أمــة مصــرية وعربيـة أيضــا, بالأهرام في7 سبتمبر2010: إن العرب وإن غيروا لغة مصر; فقد تمصروا جنسيا, حيث لم يتعد العرب الوافدون بعد الفتح نحو6% من المصريين!