"زينـة" نبوءة بثـورة حلمت بها70 عامـا
نوال السعداوي:
"زينـة" نبوءة بثـورة حلمت بها70 عامـا
كتبت - سناء صليحة:
"زينـة" نبوءة بثـورة حلمت بها70 عامـا
كتبت - سناء صليحة:
152
عناوين تصريحاتها وتعليقاتها اللاذعة و صراحتها المفزعة خلال الحوارات المنشورة أو التي يتم بثها عبر وسائل الإعلام المختلفة تغري أي صحفي عند لقائها بأن يحاول أن يقوم بمناوشة لاستدراج صاحبة التعليقات و التصريحات المثيرة بل والصادمة.
<="" div="" border="0">
في معظم الأحيان, للحصول علي تصريح جديد أكثر سخونة من كل ما سبقه. و اعترف بأنني عندما قررت أن أجري هذا الحوار مع د. نوال السعداوي قطعت علي نفسي عهدا أن أغالب غواية السعي وراء تصريح حريف أو مناقشة تصريحات لا أدري مدي دقتها أو إذا ما كانت اقتطعت من سياقات ما بحسن نية أو لغرض في نفس يعقوب. فعندما توجهت مع زميلي المصور الفنان محمد مسعد للقاء د. نوال كان الهدف المعلن و المحدد والمتفق عليه مسبقا مع د. نوال السعداوي أن يقتصر حوارنا علي مشوارها الأدبي وقضايا النقد والإبداع في مصر والعالم العربي و رغم أن حوارنا اقتصر بالفعل علي هذه الجوانب, إلا أنني فوجئت كما ستفاجأ عزيزي القارئ بأن الحوار حمل أكثر من تصريح مثير.جاء علي لسان السعداوي بعفوية شديدة,و دون بذل أي جهد من جانبي لاقتناص اعتراف أو تصريح أو شهادة ما. و حتي هذه اللحظة لا أجد تفسيرا حقيقيا لحالة البوح و الصدق التي غلفت نبرات د. السعداوي علي مدي ساعات حديثنا, فربما يكون حديث الثقافة و الأدب قد أثار الشجون و ربما لأنني حاورتها حول أجمل و أهم ما تعتبره سببا لوجودها, ألا وهو فعل الكتابة, وربما كان السبب مجموعة الصور التي التقطها لها الفنان محمد مسعد و التي التقط فيها روح كاتبة شابة ثائرة فجاءت دون أي رتوش لتطمس كل العلامات التي رسمها الزمن و القهر علي وجه امرأة ثمانينية.. ربما و ربما لكن المؤكد أن حوارنا الثقافي مع د. نوال يحفل بتصريحات واعترافات و ذكريات أكثر من خمسين عاما لا تقل إثارة عن مجمل ما جاء من قبل علي لسان صاحبة ما يقرب من40 مؤلفا أدبيا و علميا.
البداية كانت مع رواية زينة التي صدرت قبل ثلاث سنوات باللغة العربية و تمت ترجمتها أخيرا لأكثر من لغة وحظيت باهتمام النقاد في الخارج. وعن تعدد مستويات قراءة الرواية التي تناولت فيها الكاتبة واقع المجتمع المصري و خبايا عالم الصحافة و الأدب وقضية أطفال الشوارع و تداخل الواقع مع الحلم مع الخيال في نسيج العمل و البناء السردي لرواية اعتبرها بعض النقاد نبؤه مبكرة بالثورة كان السؤال, فأجابت كل الروايات التي أكتبها من الواقع لأني لا أفصل أبدا بين الواقع و الخيال أو بين الحلم و الحقيقة والوهم أو الجسد والروح لأن هناك ترابطا دائما بين ما نراه وما لا نراه. كل هذه التقسيمات من صناعة العبودية والنظام الطبقي الأبوي.
قلت: أنت كاتبة لك رؤيتك السياسية فالي أي مدي تتحكم هذه الرؤية في مسار الشخصيات و العمل الأدبي و هل شعرت أنك أحيانا تخرجين بالعمل من سياقاته الطبيعية لتعبري عن فكر أو أيديولوجية بعينها؟, قالت: كثير من النقاد في مصر والعالم العربي يقولون إن صوت نوال السعداوي هو المسيطر علي أعمالها وإن هذه الأعمال تخلو من الصوت الآخر. وهذا غير صحيح و الحقيقة أن النقاد هم المسيسون ولا توجد حركة نقدية مستقلة وبالتالي يقرأون العمل بنظرة عدائية منذ البداية دون محاولة قراءة ما بين السطور. أضيفي لذلك أنا طبيبة و لا أفرق بين العلم والفن, فالتفرقة بين العلم والفن تفرقة مزيفة, فعندما كتبت عن أطفال الشوارع أوردت آيات من الكتب السماوية الثلاثة و نظرية علمية عن الموسيقي مضافا إليها الواقع الممتزج بالخيال الذي تجسده بدرية و بدور, هذه هي الحياة قاطعتها قائلة: وعندما تقدمين هذا المزيج ألا تشعرين بأنك تقحمينه علي العمل و أنك تحملين الرواية بأكثر مما تحتمل؟ فبادرتني بسؤال: وما هي الرواية؟ لم تتوقف للحظة لتسمع إجابة مني إذ استطرت في التو قائلة: من الذي يحدد ما الرواية و ما تحتمل. كانوا يقولون أن نوال السعداوي امرأة مسترجلة وضد الأنوثة و ضد الرجل و لكن الحقيقة أنه لا توجد امرأة أحبت الرجل مثلي للمرة الثانية قاطعتها وكرهت خنوع الأنثي!! فقالت في لهجة قاطعة جدا.. وكرهت تسلط الرجل وأحببت الرجل الإنسان و المرأة الإنسان.أنا لست عدوة لأحد, أنا عدوة لنظام ولقيم و لفكر تمكن و خرب شخصية الرجل و المرأة و هذا ما كتبت عنه.أنا أخلط الأدب بالطب بالحياة و كل هذا في نهاية الأور سياسة, كل شئ في الحياة سياسة.. المشكلة انه لا توجد عندنا حركة نقدية عربية أو مصرية حرة. لا يوجد لدينا مثقف ثوري, والحركة النقدية شبه ميتة. هنا سألتها عن النقد اللاذع الذي جاء علي لسان بطلة زينة للنقد و اعتبارها أنه أقل درجات من الإبداع و إذا ما كانت هذه الكلمات تعكس رأيها الخاص؟ فقالت: لست أنا من أقول بل بدور وهي شخصية حقيقية وكانت تقول أنا أردت أن أكون روائية و لكني تحولت لمجرد ناقدة قلت: و لكن ماذا عن رؤيتك الخاصة للنقد بعيدا عن حالة الإحباط التي يستشعرها الناقد في العالم العربي أو طريقة تعامل النقاد مع مؤلفاتك سواء هنا أو في الخارج؟ فقالت النقد عمل عظيم, الناقد الصادق الحر الفنان لا يقل عن الكاتب المبدع خاصة إذا ما استطاع مواجهة الطغاة و لكن من يستطيع هذا!!
أنا قمت بذلك لأنني أجد في الكتابة متعة أكبر من متعة السلطة بنبرة محملة بالشجن قالت تعرفي كيف عشت كل هذا؟.. لذة الكتابة تمنحك حياتك, قيمتك في نظر نفسك حتي لو هاجمك الناس كل واحد لديه لذة ما اكتشاف لذة الإبداع و تذوقه تطيل العمر و تجعلك تستغين عن الملذات الأخري كالأكل والمال والسلطة, وهذا ما حدث معي فلذة الكتابة طغت علي رأي النقاد و السلطة في وأصبح هدفي أن أحوط نفسي وحياتي كي أكتب رواية. عندما أكتب رواية أشعر أنني أكتمل... روايتي الأخيرة زينة التي ترجمت إلي لغات عدة وإلي الإنجليزية أخيرا, وكتب عنها النقاد في الخارج, بل و رشحها أحد النقاد لجائزة نوبل. في حين لم أجد هنا أي نقد فعال وهذا يشعرني بالحزن. وعن الأشكال الفنية التي تفضلها خاصة أنها كتبت القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال كان سؤالي الذي أجابت عنه بقولها الرواية قصة قصيرة طالت والقصة رواية قصرت فصارت قصة و بالتالي لا يوجد فرق و بالمناسبة البعض كان يعرفني بصفة كاتبة قصة قصيرة. أنا لا أفصل بين أي منها, مثلما لا أفصل بين تشريح الجسد و الكتابة الروائية, وأظن أن هذا المنظور التكاملي سيأتي به المستقبل, فعندما أكتب فأنني أكتب بحياتي..بأحلامي.. بروحي و عقلي و تاريخي و تجاربي إن طلبة كلية الطب في شيكاغو يدرسون مذكرات طبيبة.وهنا سألتها إذا ما كانت تعتبرها سيرة ذاتية أو رواية, فقالت هي رواية وإن كنت أري أنه لا فرق بين السيرة والرواية. فعندما تمسكين بالقلم لتكتبي تخرجين من عالم الواقع و الحقيقة لعالم الرموز وطالما كتبت لم تعد سيرة بل تحولت لرواية.أوراق حياتي حملت حقائق من حياتي و لكن طالما انتقلت للورق أصبحت خيال.قلت: و لكن البعض يهرب من أدب الاعتراف بسبب القيود و لأعراف الاجتماعية, فقالت بالفعل لقد تم تشويه صورتي لأني أكتب بصراحة.. الكاتبة في إبداعها متوجسة من المجتمع و بالتالي سيرتي الذاتية مختلفة عن د. لطيفة الزيات و حتي عن أصداء سيرة نجيب محفوظ. في أوراقي تستطيعين الدخول لأعماق نفسي و إذا رجعنا للسؤال فهو أشبه بالتساؤل عما إذا كانت الأحلام حقيقة أو خيال, لكن الأحلام و الخيال بدورهما واقعا غير ذلك الذي نعيشه. مع ذلك فأنني لم أكتب بعد الكتاب الذي أريد أن أكتبه و لا أستطيع أن أكتبه ناهيك أن أجد ناشر له.قلت و ماذا يمنعك؟!. قالت لا أستطيع لأننا نعيش في عالم طبقي أبوي الحرية فيه محدودة. عندما كنت في الولايات المتحدة قطعوا في السي أن إن أجزاء من حواري لأنني تحدثت بصراحة في السياسة. إن أجمل و أطول عمر نعيشه في الخفاء. حياتنا الخفية نعيشها غارقين في الخوف و الرعب و التكفير أو السجن و المنفي. قلت و ما الذي يخافونه في أوريكا؟. قالت: السياسة تحدثنا فليلاعن مغزي موت زينة وزحف الأطفال نحو خشبة المسرح التي اعتلتها وهي تنزف ثم سألتها عن رأيها في مفهوم النسوية خاصة وأن كثيرين يتناولون أعمالها من منظور قضية حرية المرأة, فقالت النسوية علم مثل الطب, درست الطب في10 سنوات و النسوية في20 عاما وأوضيت10 أخري في دراسة الأديان, موضوع النسوية لابد أن يحترم فهو ليس سبة.النسوية علم و فن و أدب ودخول في أعماق المرأة و أعماق أعماق الرجل. ففي زينة تحليل لأعماق زكريا وحالة تمزقه الداخلي. قلت: كل شخصيات العمل مثقلة, فقالت نحن جميعا ممزقون لأننا عبيد لسلطة, نخلق رمزا ونصبح عبيدا له. سألت هل هذه سمة مصرية هل دائما ما نبحث عن فرعون؟, فقالت: لا ليست سمة مصرية و لكن النظام هو الذي يخلق الفرعون. تطرق بنا الحوار إلي علاقة الأدباء بالسلطة, فقالت: أنا ثائرة منذ طفولتي و لم أنافق أي عهد, الأدب يعكس, رؤيتي أنا, اختياري للشخصيات يدل علي شخصيتي علي تمردي فكلها حتي في قبحها, وفي مثاليتها متمردة و هذا هو الفرق بين شخصيتي وشخصية نجيب محفوظ, عندما أقرأ نجيب محفوظ لا أشعر بالثورة. نجيب محفوظ كان من المستحيل أن يكون صديقي لأنه كالماء مثل شخصياته. هو جميل جدا في الوصف, والمشكلة أن البعض يري أن الجميع لابد أن يكتبوا مثل نجيب محفوظ. قلت من قال هذا!!. أجابت بعض النقاد قلت: الأدب إذن مرتبط لديك بالثورة, قالت: آه وكانت أشبه بآهات ثومة وعناد طفل مشاغب, ثم استطردت قائلة عندما اكتب أطلق لنفسي العنان, ولا أتكلف الحيادية.. لدي شحنة أكتبها كما هي.. أنا لا أحب التأنق أنا فلاحة بدائية و هذا ما أضعه علي الورق وهذا ما نفقده من خلال التأديب أعترف أنني وإن كنت أدرك مدي اختلاف أسلوبها ومعطياتها الأدبية عن تلك التي يمثلها نجيب محفوظ, إلا أن التشبيه الذي استخدمته ووصفها لشخصياته الروائية أزعجني, ربما لأنه يناقض الكثير من قناعاتي الخاصة أو ربما كنت كلاسيكية الهوي أو..أو..مع ذلك لضيق الوقت لم أدخل في جدل حول ما قالته ووجدتني أسألها عن ذكرياتها في لجنة القصة و أقرب أصدقائها من الكتاب.رغم الضوء الشاحب الذي أضاء شرفة المنزل, حيث جلسنا هروبا من حر ليل القاهرة في نهاية شهر أغسطس, تبينت بريق عينيها وانفراجه أساريرها التي اقتنصتها عدسة زميلي محمد مسعد. قالت كان أقرب الناس لي توفيق الحكيم و يوسف إدريس ولطيفة الزيات في شخصيتهم, كان توفيق الحكيم يتحدث طول الوقت و كان حديثه ممتعا.. كان أكبر الحضور سنا ولكنه في نظري أكثر وسامة من أي شاب وكان بيننا حوار ومشاغبات و مشاكسات طريفة. كان يحبني لأنه لديه بذرة التمرد. يوسف إدريس كان قريبا مني و كان زميلي في كلية الطب وفيه ثورة و تمرد و لم يأخذ حقه و إن كان وضعه أفضل مني لأنه عمل بالأهرام. كان يقول لي لازم يكون لك كباري مع السلطة وإلا قتلوك, وهذا ما حدث فتم تغييبي عن الساحة الثقافية وهنا كان النقاش حول الغياب و الحضور علي الساحة الثقافية فقالت الشباب يقرءون كتبي الآن, حكومات العهد السابق تعاونت مع التيارات المتشددة لتشويهي وإقصائي.
ثم أضافت قائلة: أيام الثورة غيرتنا كلنا. كنت انتهيت من كتابة نصف رواية وحدثت الثورة فتوقفت عن الكتابة وعندما عدت إليها رميتها. شعرت أن الأسرة البيولوجية الواهية سقطت في ميدان التحرير وأصبحنا أسرة سياسية جديدة وأنا تغيرت بقايا الخوف تلاشت من نفسي توقف المسجل و لكني لم أستطع أن أوسك لساني فقلت: مم تخاف نوال السعداوي؟ فقالت: مش الموت ولكن أشياء متعلقة بالاحترام, باسمي عندما يسيئون لاسمي أو لذكراي أو لشغلي. أريد أن أقول أشياء أشد وأقوي مما قلت ولكن أخشي أن يشوهوا سمعتي أكثر وأن يلعنوني بعد وفاتي. أحافظ علي سمعتي رغم أنهم هلهلوها.